ذات مساء.......
ذات مساء كانت ..هي.. تجلس بقرب نافذتها..الإبرة بيدها اليمنى,كانت تطرز منديلاً بخيط أزرق,أحبت ذلك اللون منذ رأته ..هو..أول مرة.
ذات مساء كان ..هو..يجلس بجانب الموقد يقرأ كتاباً ,إنها المرة العشرين التي يعيد فيها قراءة ذلك الكتاب ولكنه لا يمله فقد رآها ..هي..تقرأ فيه .
إنه لا يعرف ما اسمها ,أين تعيش ,ما سرها,ولكنه يحبها,إنه الحب من الذاكرة الأولى..ومن الخريف الأول,ربما من اللقاء الأول ..كان لقاءً عابراً قصيراً لم يتجاوز الحلم,كان كالحلم,والحلم وإن طال فإنه لا يتعدى الثواني.
ذات مساء كانت هي فتاة مفعمة بالحياة,مليئة بالأمل ,كانت هي أجمل ما قد تقع عليه العين ,كانت هي الروح ..هي الحياة ..هي الأنثى ..كانت أنثى..
وتحولت ذات مساء إلى آلة زمنية تنازلية العد..تحولت إلى جحيم..إلى قبح .. إلى موت.
ذات مساء بدأ هو برسم تلك الأنثى, رآها لمدة لم تتجاوز الحلم ولكنه يتذكر ملامحها,ويتذكر أدق تفاصيل وجهها .
لم يكن يرسمها بريشته ولكنه كان يكتبها بقلمه..بدأ يتذكر كل تفاصيل الحكاية,لم تكن حكاية بقدر ما كانت مصادفة ,شقي من بعدها ..هو..وهي..
استخدم في كتابتها لون الحياة ..رأى في وجهها لون القمر وبياضه ,رسم شفتيها بلون الدم الأحمر وعينيها بلون عشب بلاده الأخضر,أما شعرها فلم يجد له غير السواد الذي يلوح في المستقبل المبهم الذي لا ماهية له .
حتى اللون الذي اختاره ليكتبها فيه كان يحكي قصة شقائهما.
ذات مساء كان المطر يهطل والرعد يدوي والبرق يخطف الأبصار ,والحرب تكاد لا تبقي بشراً ولا حجر.
ذات مساء كانت لا تزال الإبرة بيدها وكانت ..هي..لا تزال تحب اللون الأزرق .
ذات مساء بدأت تسمع أنيناً وضرباً خفيفاً على باب بيتها..ارتجفت ..جرحت إصبعها ..لم تعتد أن يطرق بابها أحد ..منديلها تحول من لونه الأزرق إلى لون الدم ..
فتحت الباب......
ذات مساء كانت تتمنى هي أن يدق هو بابها وأن يقول لها كم أنا أحبك.
كانت تتمنى هي أن تكون تلك البداية ..بداية جديدة ..بيضاء..مشتركة.
ذات مساء هذا ما حدث.....فتحت الباب ورأته هو...ولكن ليس بقميصه الأزرق الذي أحبت..لقد كان ببزته العسكرية..ولولا دموع قلبها لما عرفته أنه هو......فقد كان وجهه غائباً خلف لون الحياة الأحمر.
ذات مساء كانت تتمنى أن يدخل بيتها ..وتوقد له النار وتطفئ برده.
ذات مساء دخل هو بيتها بدماءه وبزته الخضراء ,أوقدت له النار ..بدأت تمسح دماءه بمنديلها الذي لم تنته منه بعد ..اختلطت دماء جرحها التي لوثت المنديل بجروح وجهه هو..وجهه الجميل الذي رأته مدة حلم ..
ذات مساء طلب منها أن تقترب ..
ذات مساء همس في أذنها ..كم أنا أحبك..
ذات مساء ودع هو الحياة ..وبقيت هي بلا حياة ..تعيش على الذاكرة على البزة الخضراء ووجهه المدمى ...وبقي المنديل الأزرق هو الشيء الوحيد الذي جمع بين جروح وجهه ودماء إصبعها .......لقد جمع بين ..هو و هي..
13\11\2008
10:00صباحاً